عن ميمون بن حيان قال: ما رأيت مسلم بن يسار متلفتاً في صلاته قط خفيفة ولا طويلة، ولقد انهد مت ناحية المسجد ففزع أهل السوق لهدته وإنه في المسجد في صلاته فما التفت.
سُئل خلف بن أيوب: ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال: لا أُعوِّد نفسي شيئاً يفسد علي صلاتي، قيل له: وكيف تصبر على ذلك؟ قال: بلغني أن الفساق يصبرون تحت سياط السلطان فيقال: فلان صبور ويفتخرون بذلك؛ فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟!!.
وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع.
وذكر الذهبي في ترجمة أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري.. أنه كان صاحب نسك وعبادة..
قال عنه ابن وهب: رأيت سفيان الثوري في الحرم بعدما صلى المغرب.. قام ليصلي النافلة.. فسجد سجدة.. فلم يرفع رأسه حتى نودي بالعشاء..
وقال علي بن الفضيل: أتيت أريد الطواف بالكعبة.. فإذا سفيان ساجداً يصلي فطفت شوطاً فإذا هو على سجوده.. فطفت الثاني فإذا هو على سجوده..
وقال عنه عبد الرزاق – أحد تلاميذه -:
لما قدم سفيان علينا طبخت له قدر سكباج – لحم مع الخل - فأكل.. ثم أتيته بزبيب الطائف فأكل.. ثم أتيته بالزبيب فأكل.. فلما انتهى من طعامه.. قام.. ثم شد على وسطه إزاره.. ثم قال: يا عبد الرزاق.. يقولون: اعلف الحمار وكده.. ثم قام يصلي حتى الصباح..
* * * * *
إنها الصَّلاةُ يا عباد الله: قرَّةُ عيونِ الموَحِّدين، ولذَّةُ أرواح المحبين، وبستان العابدين وثمرة الخاشعين.
فهيَ بستَانُ قلوبهم.. ولذَّةُ نفوسهم.. ورياضُ جوارحهم.
فيها يتقلبون في النعيم.. ويتقربون إلى الحليم الكريم..
عبادة.. عظَّم الله أمرها.. وشرَّف أهلها.. وهي آخر ما أوصى به النبي عليه السلام.. وآخر ما يذهب من الإسلام.. وأول ما يسأل عنه العبد بين يدي الملك العلام.
* * *
هذا هو واقع الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم مع الصلاة..
يفزعون إليها عند النوائب..
ويلوذون بها في النوازِلِ..
يتعرف بها أحدهم إلى الله في الرخاء.. فيعرفه ربه في الشدة
بوابة للرحمات..
و مفتاح الكنز.. الذي من حصله حاز الخيرات..
وكانت لأحدهم رَبيع قَلْبِهِ.. وحياة نفسه، وقُرّة عَيْنِهِ، ولذة جسده، بل هي جلاءً حُزْنِهِ.. وذَهاب همِّه وغَمّه..
وقد أشار المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حين قال: (أرحنا بها يا بلال) ولهذا ورد عنه أنه كان يقول: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)
فرحم الله عباداً نصبوا أقدامهم لطاعة مولاهم.. فرضي ربهم بأعمالهم وعجل لهم بشراهم..
وتأمل معي أخي الكريم واقعنا (نحن) مع الصلاة إلا عند من رحم الله..
كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد مع أصحابه يوماً.. فدخل رجل فصلى.. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه وهو يصلي..
ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام.. ثم قال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ..
فرجع الرجل فصلى.. كصلاته الأولى..
ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه.. فقال له: وعليك السلام.. ارجع فصلِّ.. فإنك لم تصلِّ..
فرجع الرجل فصلى.. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه.. فقال له: وعليك السلام.. ارجع فصلِّ.. فإنك لم تصلِّ..
فقال الرجل: والذي بعثك بالحق.. ما أحسن غير هذا.. فعلمني..
فقال صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر.. ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن.. ثم اركع حتى تطمئن راكعاً.. ثم ارفع حتى تعتدل قائماً.. ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً..
ثم ارفع حتى تطمئن جالساً.. ثم افعل ذلك في صلاتك كلها..
عجباً.. فما أحوج كثير من الناس اليوم أن يقال له بعد صلاته: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ..؟! ينقر أحدهم سجوده كنقر الغراب.. ويركع مستعجلاً كالمرتاب لا يناجي ربه في السجود.. ولا يخشع للرحيم الودود وربما تدخل المسجد فترى بعض المصلين يلف عينة يمنة ويسرى يرى المار ويبتسم لما يقع أمامه من مشاهد طريفة، يعبث بالفرش أو الحصى ويقليب العين في النقوش والزخارف.
وينظر إلى الساعة تارة ويصلح الثوبة تارة أخرى يسابق الإمام في الركوع والسجود كأنه في سباق ما راثون.. ناهيك عن شرود الذهن الذي ابتلي به كثير من الناس نسال الله السلامة، وإن سألته هل زاد الأمام ركعة أم نقص ركعة ظل يفكر ويقول لا اعلم، حقا لا تعلم لان قلبك وفكرك ليس مع الله.
الخشوع..
من العبادات المفقودة في حياة الكثير منا للأسف الشديد.. ترى بعض الناس يحافظون على أداء الصلاة فقط لإسقاط الواجب من أعناقهم وليس للتذلل والتلذذ كما كان يفعل من كان قبلنا.
وصدق حذيفة بن اليمان رضى الله عنه حين قال: (أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورب مصل لا خير فيه، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعاً)
أخي المصلي..
أعلم رعاك الله أنك ما وقفت بين يدي الله إلا طاعة لله عز وجل وامتثالاً لأمره فما بالك تُضيع ذلك بكثرة الحركة والغفلة في الصلاة، ألم تعلم أن الخشوع هو روح الصلاة ومادة حياتها.. وهو ثمرة الإيمان وطمأنينة النفس. وأنك ربما تنصرف ولم يكتب لك من صلاتك إلا الشيء اليسير.
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عُشر صلاته، تُسعها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، ربُعها، ثُلثها، نُصفها)) [رواه أبو داود والنسائي].
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير [رواه أحمد وأبو داود وغيرهم].
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته. قالوا يا رسول الله:وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها))
وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا ينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده))
ويقول حذيفة بن اليمان: إياكم وخشوع النفاق: قالوا: وما خشوع النفاق، قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نربي أنفسنا على الخشوع:
1. تدعو الله تعالى أن يرزقك الخشوع.
2. اجمع نفسك وأحضر قلبك قبل الدخول في الصلاة
3. - استشعار عظمة من ستقف أمامه وهو الله عز وجل.
4. تهيأ قبل الدخول في الصلاة فــ ((لا صلاة بحضرة طعام و لا وهو يدافعه الأخبثان)) [رواه مسلم]، وليكن المكان مهيأً للصلاة.
5. الإكثار من الطاعات (والذين اهتدوا زادهم هدى وءاتاهم تقواهم) محمد:17
6. الابتعاد عن المعاصي (كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) المطففين:14
7. تفكر في معاني الآيات والأذكار التي تقرأها وترددها.
8. مجاهدة النفس وحضر الذهن والتركيز عند القراءة.
9. لا تتعجل في صلاتك ولا تكن الصلاة أهون شيء عندك تؤديها كيفما كان.
10. التأدب في الصلاة بعدم الحركة أو الالتفات أو العبث المنهي عنه.
11. التزم بأحكام الصلاة وآدابها، واجعل نظرك في موضع سجودك... قال صلى الله عليه وسلم ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
12. تصنع الخشوع من غير نفاق أو رياء ذلك عندما تكون بمفردك. فكما قليل أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم.. فإن الخشوع بالتخشع.
13. كسر العادات إما بتغيير أماكن الصلاة أو تغيير السور التي تقرأها بعد الفاتحة.
14. صلِّ صلاة مودع فكل من نعرفهم رحلوا بعد صلاة مكتوبة وأنت لا بد منهم.
نسأل الله أن يعيد إلينا هذه العبادة المفقودة وأن يجعلنا وجميع المسلمين من الخاشعين اللهم أنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعاء لا يستجاب له، اللهم تجاوز عن سيئاتنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
اسم الكاتب: غالية عبدالله محمد - الشارقة
مصدر المقال: موقع صيد الفوائد